فى ذكرى تأسيس إذاعة القرآن الكريم .. كيف نجت تسجيلات الشيخ رفعت وظهر المصحف المرتل؟| صور

“إذاعة القرأن الكريم من القاهرة”، بهذه الكلمات التي نستمع إليها مع بداية الساعات الأولى من كل صباح، وبعذوبة الأصوات التي تتغلغل إلى أعماق أنفُسنا لتُدخل عليها الهدوء والسكينة عند سماع تلاوات كبار المقرئين المصريين والابتهالات الدينية تلك الصورة الروحانية التي تستمر علي مدار اليوم .. إنها الإذاعة الأقدم على مستوى العالم بين إذاعات القرآن الكريم أو الإذاعات الدينية بشكل عام، حيث تحمل دلالات وأبعادا  ذات مغزى كبير في هذا الميدان الإعلامي، وتكشف عن الدور الحضاري والثقافي لمصر في محيطها العربي – الإسلامي.

الشيخ البنا خلال تسجيله للإذاعة

لقد كان لقرار نشأتها ظروف وملابسات سبقته ودعت إلى اتخاذه ؛ ففي أوائل الستينيات من القرن الماضي ظهرت طبعة مذهبة من المصحف، ذات ورق فاخر، وإخراج أنيق، بها تحريفات خبيثة ومقصودة لبعض آياته، منها قوله تعالى: “وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {85}”(سورة آل عمران). وطبعوها مع حذف كلمة “غير” فأصبحت الآية تعطي عكس معناها تمامًا ! وكانت هذه الطبعة رغم فخامتها رخيصة الثمن، وكان تحريفها خفيًّا على هذا النحو، لكن الله تولى حفظ كتابه فيقول سبحانه: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”(سورة الحجر) ومن ثم يهيئ من الوسائل ما يحقق هذا الحفظ.

 

الشيخ الطبلاوي أمام لجنة الأختبار بالإذاعة

فلقد استُنفِرت وزارة الأوقاف والشؤون الاجتماعية، في ذلك الوقت – ممثلة في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والأزهر الشريف ممثلًا في هيئة كبار العلماء – في ذلك الوقت – لكي تتدارك هذا العدوان الأثيم على كتاب الله، وبعد الأخذ والرد تمخضت الجهود والآراء عن تسجيل صوتي للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، على أسطوانات توزع نسخ منه على المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي، وكافة المراكز الإسلامية في العالم، باعتبار ذلك أفضل وسيلة لحماية المصحف الشريف من الاعتداء عليه، وكان هذا أول جمع صوتي للقرآن الكريم .

 

الشيخ طه الفشني يقرأ أمام الملك فاروق

وبمرور الوقت تبين أن هذه الوسيلة لم تكن فعالة في إنجاز الهدف المنشود من ورائها ؛ نظرًا لعجز القدرات والإمكانات المادية في الدول الإسلامية في ذلك الوقت عن إيجاد الأجهزة اللازمة لتشغيل هذه الأسطوانات على نطاق شعبي، فضلًا عن عدم توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لها بحكم الوضع الذي كانت عليه دول العالم الإسلامي في أوائل الستينيات من القرن العشرين.

ونتيجة لما سبق، انتهى الرأي والنظر في هذا الشأن من قبل وزارة الثقافة والإرشاد القومي – المسئولة عن الإعلام في ذلك الوقت، وعلى رأسها الإعلامي الفاضل الدكتور عبد القادر حاتم إلى اتخاذ قرار بتخصيص موجة قصيرة، وأخرى متوسطة لإذاعة المصحف المرتل الذي سجله المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

 

الشيخ محمد صديق المنشاوي

وبعد موافقة الرئيس جمال عبد الناصر بدأ إرسال “إذاعة القرآن الكريم” في الساعة السادسة من صباح الأربعاء 11 من ذي القعدة لسنة 1383هـ الموافق 25 مارس لسنة 1964م، بمدة إرسال قدرها 14 ساعة يوميًّا من السادسة حتى الحادية عشرة صباحًا، ومن الثانية حتى الحادية عشرة مساءً على موجتين قصيرة ومتوسطة، لتكون أول صوت يقدم القرآن كاملًا بتسلسل السور والآيات كما نزل بها أمين الوحي جبريل “عليه السلام” على قلب سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وسلم).

وتولى إدارة الإذاعة فور انطلاقها، الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل، الذي أهدى إليها التسجيلات الإذاعية النادرة لشيخ القراء محمد رفعت، صاحب أول تلاوة قرآنية في تاريخ الإذاعة يوم أسست عام 1934، وكانت هذه التلاوات متفرقة بين تسجيلات البى بى سى التي سجلها الشيخ رفعت قبل مرضه في الأربعينيات، وبعض التسجيلات الخارجية بالغة الندرة.

 

الشاعر محمود حسن اسماعيل

سلم شاعر الكوخ راية إذاعة القرآن إلى رفيق دربه كامل البوهى، الذي يعد بحق المؤسس الفعلي للإذاعة الكبيرة، ففي العام التالي للتأسيس توالت تسجيلات الختمات المباركة للقرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، بأصوات أساطيل القراء، مثل الشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ محمد صديق المنشاوي، والشيخ محمود على البنا، وفاقهم الشيخ الحصرى بتسجيل القرآن بقراءاته المختلفة، فضلا عن “المصحف المعلم”.

وكانت بذلك أنجح وسيلة لتحقيق هدف حفظ القرآن الكريم من المحاولات المكتوبة لتحريفه، حيث يصل إرسالها إلى الملايين من المسلمين في الدول العربية والإسلامية في آسيا وشمال أفريقيا.

وعلى منوال هذه السابقة المصرية المباركة توالى إنشاء عدة إذاعات للقرآن الكريم في داخل العالم العربي، بل وفي خارجه كما في أستراليا مثلًا، تصديقًا لقول الحق تبارك وتعالى “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”.

وقد فرضت بعض البرامج نفسها بقوة على آذان المستمعين، مثل برنامج في ظلال الهدى النبوي، الذي يقدمه الدكتور أحمد عمر هاشم في السابعة والنصف صباحا، من إعداد الدكتور عبد الصمد الدسوقي – خامس مدير لإذاعة القرآن الكريم ـ، وبرنامج “قطوق من حدائق الإيمان” الذى يذاع فى تمام الساعة الحادية عشرة مساء، وبرنامج “موسوعة الفقه الإسلامي” الذي تقدمه الدكتورة هاجر سعد الدين ـ وهى مديرة سابقة لإذاعة القرآن الكريم ـ ، حيث يتم إذاعته بعد منتصف الليل بربع ساعة، وبرنامج براعم الإيمان.

 

الشيخ الحصري

تفسير القرآن كان حاضرا عبر حديث الشيخ محمد متولي الشعراوى – رحمه الله- ، الذي قدمه الإذاعي محمد عوض، والتفسير الميسر للقرآن الكريم لشيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي، الذي يقدمه سعد المطعنى.

“الأمسيات الدينية” و”الإذاعات الخارجية” التي كان يقدمها الإذاعي الكبير عبد الخالق محمد عبد الوهاب، أتاحت الفرصة لأجيال كاملة من القراء لتكون إذاعة القرآن قاعدة انطلاق هذه الأصوات المتميزة لتحفر أسماءها في العالم الإسلامي، ولعل من أشهر هؤلاء القراء، راغب مصطفى غلوش، عبد العزيز حصّان، محمود صديق المنشاوي، على السويسي، والسيد متولي، محمد محمود الطبلاوى، شعبان عبد العزيز الصياد، وغيرهم العشرات والعشرات.

التعليقات (0)
اضافة تعليق